أي عاقل يقرأ خطاب الرئيس مبارك أمام القمة الاقتصادية بالكويت أمس الأول وكلمته أمس في ختام أعمال القمة يدرك أن الرئيس عندما ادار هذه الأزمة كان يتعامل معها بالسياسة والاقتصاد.. طرفا المعادلة الخالدان.. إذا استقرت السياسة انتعش الاقتصاد ولايمكن أن ينهض الثاني والأولي متعثرة لاتكاد تبارح مكانها.
مأساة غزة ليست في الاجتياح الإسرائيلي العدواني الغاشم وقتل المدنيين بدم بارد لايراعي حرمة نساء أو أطفال.. لكن المأساة الحقيقية أن أحداً لايفكر في هذا الشعب البائس.. الناس تتكلم عن البطولة والانتصار والصمود.. الإعلام يحيي بطولات الشجعان الصناديد. لكن هل فكر أحد أن يسأل أهالي غزة إذا كانوا يريدون حرباً أم سلاما؟ هل فكرتم أن تسألوا الفلسطينيين إذا كانوا راغبين في العيش طوال عمرهم وهم يشيعون الجنازات ويلطمون ويبكون؟
لقد استاء البعض من انعقاد قمة الكويت الاقتصادية في هذا التوقيت من القتل والتدمير في غزة. لكن يجب ألا يغيب عن الأذهان أن الاقتصاد والتعليم هما قاطرة التنمية في الوطن العربي.. ان العرب في مجملهم والفلسطينيين علي وجه الخصوص يعيشون حالة من الفقر النفسي والفكري والمعيشي التي يعاني منها الإنسان العربي.
الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية للمجتمعات العربية تحاصر حاضرها ومستقبلها وتقضي علي حقها في الحياة الكريمة وحلمها بغد أفضل.
لا أبالغ لو قلت أنه لا أحد يشعر بمعاناة أهل غزة كما يشعر الرئيس مبارك.. انه شعور بالمسئولية نحو شعب عربي يلقونه في غياهب الجهل والفقر والمرض والحرمان.. عار علينا أن نترك شعبا عربيا عريقا مثل الفلسطينيين يتم إبادته.. عار علينا أن نتركه نهبا لخلافات لايكسبون من ورائها شيئا سوي بطولات وهمية.
الدول العربية تواجه اليوم تداعيات الأزمة المالية العالمية وقد تأثرت بها أيما تأثير.. من ثم فإن الرئيس مبارك في كلمته أمس أشار إلي عدة نقاط هامة ربما غابت عنا من كثرة الشقاق وإيثار الفردية وتغليب المصالح الذاتية علي المصلحة العامة العربية.
الرئيس مبارك في كلمته أمس ينبه العرب إلي أن ما نملكه كشعوب يفوق تجمعات أخري ليس لها نفس امكانياتنا. ولكنها تفوقت علينا بالإرادة والتخطيط والموارد البشرية.
العرب يعيشون اليوم وسط عالم من التكتلات الاقتصادية الكبري التي سيطرت علي التجارة العالمية مثل الاتحاد الأوروبي والآسيان والنافتا. بينما نحن نتراجع للخلف.
رسالة مبارك في هذه القمة هي أن الشعوب لابد أن تعيش وتتعلم وترفع مستواها الاجتماعي والاقتصادي.. لن نحقق هذا الهدف ونحن فرق وشيع تناصر هذا وتحابي ذاك.. علينا أن نتوحد في كيان قادر علي الفعل. وليس في منظومة تتشاجر بسبب الخلافات حول هل نضحي بفتح أم حماس ؟. وهل نتعامل مع إيران وننسي احتلالها لأراضي دولة عربية ؟.
رسالة مبارك الواضحة للعرب علي مدار يومين هي أن نتوحد سياسيا واقتصاديا.. من حق الفلسطينيين العيش كباقي شعوب الأرض.. لقد أصبح متوسط الأعمار في فلسطين هو الأقصر في العالم.. ومع ذلك مازال بعضنا يضغط لإراقه مزيد من الدماء إلي أن تبزغ شمس "حماس".
رسالة مبارك للقمة الاقتصادية هي إنه قد آن الآوان للفلسطينيين أن يشعروا أن هناك مغزي للحياة. وليس أن يعيشوا منتظرين اليوم الذي يموتون فيه.. فلسطين ينبغي أن تتحرر من معادلة موت وخراب ديار.. فاستمرار المقاومة لايعني بالضرورة انتهاء الحياة للجميع. ولكن الاقتصاد القوي والتعليم الجيد والسياسة الحكيمة ستجعل للمقاومة بعداً أكثر عمقاً مما هي عليه الآن!